-
صناديق الاقتراع تستبعد شباب «25 يناير» و«الناجي» الوحيد مع محاسبة الذاتالإثنين, 19 ديسيمبر 2011
بدا الدكتور مصطفى النجار لحظة إعلان نتيجة فوزه بمقعد في البرلمان المصري الجديد وكأنه الناجي الوحيد الخارج من السفينة الموشكة على الغرق. إنها سفينة شباب الثورة التي كان يفترض أن تتوجه صوب برلمان الثورة، لكنها ضلت الطريق، ثم شطحت، وأصيبت أخيراً بشقوق تهددها بالغرق.
مصطفى النجار ابن الـ 31 سنة وأحد أعمدة ثورة «25 يناير» الشبابية ومرشح «فئات» عن حزب العدل الذي يرأسه، هو أحد الشباب النادرين الذين نجوا من عملية سطو مسلح بالدين تعرضت له الثورة المصرية. النجار الذي احتفى به المنتمون إما إلى فئة الشباب الليبرالي وإما المصريون بشتى أعمارهم من غير المؤمنين بخلطة الدين بالسياسة، يعدّ الوحيد الذي لم «يركب» على الثورة.
فقد نجحت عملية ركوب قطار الثورة بلا تسديد ثمن التذكرة بالالتفاف على الناخب وإقناعه بأن الغرض هو ابتغاء وجه الله وضمان الطريق إلى الجنة، ما دغدغ المشاعر ودفع الناخبين إلى تجاهل العملية ما دامت لغاية عظيمة.
وعلى رغم أن الغايات العظيمة كثيرة، ومنها ما هو دنيوي ولا يقود بالضرورة إلى نار جهنم، إلا أنه لم يتم الترويج لها بشكل يناسب الغالبية العظمى من الناخبين المصريين. الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة مصر وأحد أبرز الرموز التي يعود لها الفضل في مساندة شباب الثورة، وصف الغياب شبه التام لصناع الثورة من البرلمان المقبل بـ «الضربة القاضية».
والمتابع لحال شباب الثورة في الأشهر القليلة الماضية، لا سيما الأسابيع التي سبقت الانتخابات الحالية، يمكنه أن يرى بوضوح حال التفسخ الشديد التي أصابتهم، أو بالأحرى التي أصابوا بها أنفسهم. فمثلاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، «حركة 6 أبريل» الشابة التي كانت من أوائل مفجري «ثورة يناير» انقمست على نفسها بعد أسابيع قليلة إلى أجنحة وجبهات عدة. هذا بالإضافة إلى الكم المذهل من الائتلافات والحركات والأحزاب والتيارات. فهذه مجموعة وزعت جهدها بين ظهور متحدثيها في البرامج الحوارية الفضائية ليلاً ونهاراً، وتلك كوكبة من الشباب يتناحرون تارة في ما بينهم وطوراً على الملء حول من يمثلهم ومن لا يمثلهم. تيار ثالث منشغل بكيل الاتهامات للمجلس العسكري أو الحكومة أو لجماعات «آسفين يا ريس»، بينما الأحزاب الأخرى المولودة حديثاً والخارجة من رحم عقود من القمع الرسمي ونجحت بالالتحام بطبقات واسعة من المصريين، تشكل الغالبية الصامتة المختبئة.
لذلك فوجئ شباب الثورة، كما فوجئ غيرهم ممن فقدوا الاتصال بالواقع معتقدين أنه يتلخص في لقاءات الـ «توك شو» المتناحرة حول معنى الليبرالية ودلالات الدولة الدينية، باكتساح مرشحي التيارات التي ركبت الثورة نتائج المرحلة الأولى.
واللافت في نتائج المرحلة الأولى للانتخابات هو خروج شباب التيارات السلفية التي خسر بعضها أمام مرشحي حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وهم يهتفون «الإخواني والسلفي يد واحدة» و «إسلامية إسلامية»، وهو ما يعكس في شكل أو آخر وحدة الصف الديني السياسي على رغم خلافاته الكثيرة، في مواجهة التيارات التي لا ترتدي جلباب الدين. ويشار هنا إلى أن قانون الأحزاب الجديد يمنع قيام أحزاب دينية، لكنه لا يمنع قيام أحزاب لها مرجعية دينية، وهو ما أسفر عن تأسيس ما لا يقل عن عشرة أحزاب ضمن هذه الخانة المبهمة.
البرادعي دعا الشباب إلى عدم النظر الى هذا الأمر باعتباره طويل المدى، وطالبهم ببدء الإعداد للانتخابات المقبلة وتجاوز الخلافات الأيديولوجية والعمل بعضهم مع بعض. البرادعي بالطبع كان يتحدث عن الشباب من المنتمين الى التيارات الليبرالية، وهم أصحاب الرصيد الأكبر من الخسارة البرلمانية حتى الآن.
يبقى أن المصارحة مع الذات مسألة ضرورية، وهو ما اشار إليه الفائز الليبرالي الدكتور مصطفى النجار، فقد أشار إلى أن شباب الثورة انشغلوا عن التجهيز لمعترك الانتخابات إما بالإصرار على الاستمرار في ميدان التحرير «على رغم أن الثورة ليست الميدان فقط»، أو بارتكاب حماقات شوهت صورتهم، وهو التشويه الذي لعب فيه الإعلام دوراً بارزاً.
فبين اتهامات بتلقي أموال أجنبية، أو العمل ضمن أجندات غير مصرية، والمراهقة السياسية، والغرور وديكتاتورية الرأي و«التحرير»، وجد كثيرون من شباب الثورة أنفسهم وقد تلقوا ضربة جزاء لم يحسبوا حسابها، أشعلوا ثورة للتخلص من نظام فاسد، وأفسحوا الطريق لصفحة جديدة أول كلماتها «ديموقراطية»، فوجدوا الشعب وقد أقصاهم تماماً، مفضلاً تيارات أخرى كانت لصيقة به في الخفاء من خلال مـستـشفى خيري أو مساعدات غذائية أو فرص عـمل أو حـتى مـجرد الـدق عـلى أوتـار الإيمان، وهو ما لم يفعله لا النظام القديم ولا شباب الثورة!