أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط
  • «القاعدة مجدداً في لبنان»… فلينتحر أحمد رشيد
    الأحد, 08 يناير 2012
    حازم الأمين

    لبنان البلد الوحيد الذي ما زال يعيش في المنظومة الإقليمية القديمة على رغم ان الأخيرة تداعت وتهشمت. مصر لم تعد نفسها، وسورية في صدد ولادة جديدة والأردن يتبدل في ضوء حراك شعبي تستجيب الهاشمية لوجوه فيه وتقاوم وجوهاً أخرى، وغزة أجرت مصالحة أولى وافتتحت زمناً حمساوياً جديداً. وحده لبنان ما زال عالقاً في وظيفته الاقليمية القديمة، ومتمسكاً بمضامينها التي تبدو اليوم هزلية بفعل ترنحها في بلدان المنشأ.

    لبنان يقف الى جانب النظام في سورية، وهو ليس مع النظام في هذه اللحظة الانتقالية التي يحاول فيها الأخير يائساً تقديم صورة مختلفة عن نفسه. انه مع النظام كما كان قبل اندلاع الانتفاضة. فلبنان لا يملك لغة أخرى يتحدث فيها عن سورية، ولا عقلاً آخر يفهم فيه ما يجري فيها. سورية تتغير ولبنان ما زال يقف مع نسخة قديمة منها.

    الأمر نفسه ينسحب على معظم أوجه الفهم اللبناني للمتغيرات في الجوار، بدءاً بحركة حماس وما أجرته من استدارات، ووصولاً الى مصر الجديدة التي اعتقد لبنان «المقاوم» ان الثورة فيها أطاحت حسني مبارك لأن الأخير لا يحب «حزب الله»!

    اليوم نشهد حفلة صدأ عقول جديدة على هذا الصعيد. انه تنظيم القاعدة الذي أُعيد بعثه في جمهوريتنا في زمن أفوله في بلد المنشأ. نعم انه تنظيم القاعدة عينه، ذاك الذي كانت المساهمة اللبنانية فيه أضعف مساهمة عربية وإسلامية على الاطلاق. تنظيم القاعدة الذي كان احدى علامات النظام العربي القديم يُبعث مجدداً في السجال اللبناني. في ليبيا تحلل التنظيم الى حد الانعدام، وفي اليمن قتل جل قادته وهو اليوم أداة يستعملها النظام، وفي باكستان هو مقيد بالمفاوضات بين طالبان والأميركيين، وفي العراق امتصته الأقاليم وصار يشتغل على وقع الانقسام الطائفي في البرلمان، وفي الأردن أجرى وجهه الأبرز أبو محمد المقدسي مراجعاته العتيدة. وحدها بلدة عرسال اللبنانية المحاذية لسورية والتي تستقبل اللاجئين السوريين قررت ان تكون ملجأ للتنظيم المحتضر!

    والحال ان لبنان سبق ان شهد بعثاً موازياً لـ «القاعدة» كانت وظيفته مشابهة للوظيفة المرتجاة اليوم، وكان الثمن باهظاً، ليس لأن «القاعدة» قررت ذلك، بل لأن قوى لبنانية قررت ان تُسدد فاتورة اقليمية. وفي ذلك الوقت لم يكن المشهد أقل وضوحاً مما هو اليوم. فقد توجه مقاتلون من فتح الانتفاضة من قواعدهم في سورية الى مخيم برج البراجنة في بيروت فلم يرحب بهم سكان المخيم، ثم انتقلوا الى مخيم البداوي في مدينة طرابلس فلم يرحب بهم السكان هناك أيضاً، فانتقلوا الى مخيم نهر البارد وتسلموا هناك قواعد حركة فتح الانتفاضة بتعليمات من مسؤول هذه الحركة في سورية. وهذه رواية رسمية شرح تفاصيلها مسؤول فتح الانتفاضة في شمال لبنان «ابو ياسر» الذي ما زال حياً يرزق ويعيش في البداوي، كما انه ما زال مسؤولاً لفتح الانتفاضة هناك.

    طبعاً هذا الوضوح لم يُركن اليه في عملية الصناعة السهلة لتنظيم «القاعدة» في لبنان في حينه. ساعات طويلة من البث التلفزيوني الملوح بوجود القاعدة، وآلاف المقالات وعشرات الكتب جميعها لم تؤسس على هذه الرواية شيئاً في اعادة تقديمها لملحمة فتح الاسلام. وكانت النتيجة مئات القتلى وتدمير مخيم للاجئين الفلسطينيين.

    تجرى اليوم صناعة موازية لـ «القاعدة» في لبنان. صحيح ان الرواية أكثر ركاكة واحتمالاتها أكثر فداحة، لكن من يهتم؟ فهذه المرة قرر وزير الدفاع الوطني ان يكشف للرأي العام معلومات أمنية عن وجود تنظيم «القاعدة» في بلدة عرسال. هذا الكشف لم يُجره هملر لبنان، ولا ديغوله، بل فايز غصن الوزير المتحدر من خبرات في تقاليد أمنية وعسكرية أشد تقدماً. كما ان الخفة والجهل لا يكفيان لوصف «الكشف المبين»، فنحن بدأنا نشهد مسرحيات تلفزيونية يومية حوله أين منها مسرحيات فتح الاسلام، وها هم المحللون العونيون الخبراء في تفسير «الولاء والبراء» يخرجون مجدداً مبشرين بعدوهم المنبعث من عرسال، ويخوض جان عزيز منافسة طاحنة مع أحمد رشيد في سعيهما لنصح العالم حول ما يجب فعله حيال مخاطر «القاعدة» في عرسال وفي وزيرستان.

    وليس الهزال وحده ما يخلفه سجال «القاعدة» في لبنان، انما احتمالات الشقاء أيضاً، فالإعلان اللبناني الرسمي عن فتح «القاعدة» فرعاً لها، يُمثل أيضاً دعوة للأخيرة لفحص احتمالات الاستثمار في الاعلان. هذا ما جرى حرفياً في قضية فتح الاسلام: فقد أرسلت لنا جارتنا مقاتلي ذلك التنظيم، فوصلوا الينا وأعلنوا عن أنفسهم طالبين بنوّة «القاعدة» ومظهرين وجوهاً ولحى متماهية مع ما يعرفونه من فن القيافة «القاعدية»، فكان ان أرسل التنظيم الدولي الداعية عبدالله البيشي اليهم لفحص احتمالات ضمهم، لكن الأخير قرر انهم لا يصلحون، فغادر المخيم واعتقلته في المطار السلطات اللبنانية، وها هي اعترافاته مسجلة كلها لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية. «القاعدة» اليوم ليست في وضع يؤهلها لإرسال موفد لاستطلاع عرسال، لكن «أحمد رشيد لبنان» لا يقيم وزناً لهذا الاستنتاج، وهو يملك معلومات أخرى عن احتمالات وصول أيمن الظواهري الى عرسال في أعقاب المفاوضات التي تجرى اليوم في الدوحة بين طالبان وبين الأميركيين.

    لن تكون مهمة «صناعة القاعدة» صعبة، تماماً كما لم تكن صعبة على الاطلاق صناعتها في زمن فتح الاسلام. فالمنتج المبتغى لا يطمح لكثير من الذكاء كي يقنع مستهلكيه، والوقائع السورية ستساعد في تظهيره، اما الضحايا المتوقعون فلا قيمة لهم في ظل شعار «لا صوت يعلو فوق صوت حماية النظام في سورية».

أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط

تعليقات

«القاعدة مجدداً في لبنان»… فلينتحر أحمد رشيد

يجب تعميمه على كل وسائل التواصل الإجتماعي ما أمكن ذلك

اضف تعليق

بريدك الإلكتروني لن يظهر علناً احتراماً للخصوصية