-
القومية العربية وسؤال المستقبل الصعبالخميس, 12 يناير 2012
برزت في السنوات الأخيرة رؤى تعتبر أن القومية العربية ولى زمانها. أكد هذا صعود التيار الإسلامي، بخاصة بعد ثورات الربيع العربي. فالناصريون في مصر أخفقوا في الانتخابات البرلمانية، وتوارى حزب البعث العراقي، وبات حزب البعث السوري في طريقه للخفوت، وبين هنا وهناك تيارات قومية عربية تعاني حالة من الضعف.
لذا، بات من الملحّ إعادة النظر في هذا التيار، فوجوده في الشارع المصري صار جزءاً من التاريخ والذاكرة المرتبطة بشخص الرئيس جمال عبدالناصر، وبعد هزيمة 1967 صدم المروجون للقومية العربية بالحدث، وسقطوا في بئر من الأوهام، ولم يستطيعوا أن يقدموا للجمهور دفقة من الأفكار تثير حماسته، وبوفاة عبدالناصر فقدوا المناصر، ليبقى «البعث» هو من يحمل الهوية القومية العربية، مع صراعات جناحيه العراقي والسوري. هنا يمكن استدعاء محاضرة للمفكر القومي ساطع الحصري ألقيت في بغداد 1928 تحت عنوان «العناصر المكونة للقومية العربية»، فقد قدم اللغة والتاريخ على كل العناصر، فاللغة عنده آلة التفكير عند العربي تؤثر في عواطفه وميوله، وأعقب هذا بالاتصال الجغرافي، وجعل الدين في مؤخر العوامل.
لكن محمد عابد الجابري؛ المفكر المغربي الراحل، ابتكر مصطلح «العقل المستقيل»، وهو ذلك العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى، وانتهى إلى أن العقل العربي بحاجة إلى إعادة ابتكار. غير أن زكي نجيب محمود كان أقرب في طرحه عبر كتاب «تجديد الفكر العربي» إلى الشارع على رغم رؤيته الفلسفية، لكن القوميين العرب لم يتبنوا هذا الطرح فظل محصوراً بين جنبات الدرس الفلسفي والنخب.
هنا يجب أن يراجع القوميون العرب أنفسهم، سواء على المستوى الفكري أو مستوى الشارع العربي، فالفكر القومي العربي بحاجة إلى الانتقال من عصر إلى آخر، وإذا لم يحدث له هذا الانتقال فسيصبح شيئاً من التاريخ، خصوصاً في ظل ما يرجوه الإسلاميون من ترتيب الدين كعامل مؤثر في القومية العربية ليصبح في مقدم العوامل، على رغم أن جمال عبدالناصر حمل في حكمه مصرَ بعداً إسلامياً، تجلى في تحالفه مع فصيل من جماعة «الإخوان المسلمين»، مثل أحمد حسن الباقوري ومحمد البهي وغيرهما، فضلاً عن إنشائه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وإذاعة القرآن الكريم وتوسعه في البعثات التعليمية للأزهر من أفريقيا وآسيا.
القومية العربية تعكس خصوصية لمجموعة من الدول التي يدين معظم سكانها بالإسلام، وتتحدث لغة مشتركة هي العربية ويجمعها الجوار الجغرافي، وتملك تنوعاً ثقافياً اندمج في الثقافة العربية، وصار كل من لديه هذا التنوع يحتفظ بخصوصية ما، فداخل العالم الإسلامي الكبير، هناك وطن عربي هو بمثابة القلب لهذا العالم. من هذا المنطلق تجب إعادة النظر في فكرة الجوار الجغرافي بعد انضمام دولة جزر القمر لجامعة الدول العربية، كما أن وجود أقليات عربية في إيران وتركيا ووجود ناطقين باللغة العربية بكثافة عالية في دول مثل تشاد والنيجر ومالي وكذلك إريتريا، يطرح تساؤلات حول حدود الجوار الجغرافي، بل وأيضاً الانتشار اللغوي للعربية.
إن مستقبل العرب مرهون الآن بيد المؤسسة الرسمية العربية، التي ظلت لسنوات حبيسة رؤية الأنظمة العربية، فبات من الملحّ تحرير جامعة الدول العربية من منظومة ثبت بمرور الزمن عدم فاعلياتها، وأولى خطوات هذا التحرير هو تحرير موازنة الجامعة العربية، بأن يفرض على كل تذكرة طيران بين الدول العربية دولار لمصلحة الجامعة أو على أي عابر بين كل دولة عربية دولار، أن تتوسع الجامعة في إدارة مؤسسة اقتصادية تمول وتقيم مشروعات تنموية على الحدود بين الدول العربية، لقد أثبتت المنظومة العربية فشلها حينما تفاقمت مشكلة الصومال، كما أنها مع نبيل العربي خرقت قواعدها بالتدخل في الشأن السوري حقناً للدماء.
مستقبل العرب أصبح الآن على المحك. لذا، صار سؤاله أصعب مما يتخيل بعضهم.
* كاتب مصري