-
ربما – أخلاق العفوالاربعاء, 25 يناير 2012
تعودْنا أن نتغنى بشيم الكرام ونحن في مجالس السمر نشرب القهوة، نتباهى بأخلاقنا الحميدة وقصصِ الأجداد الكرام وقصائد المجد العظيمة. لكننا نعرف جيداً أن الشعراء المداحين هم أول الهجائين حين تتغير الأحكام ويتبدل السلطان، وأن الجماهير التي خرجت تهتف لك هي من ترجمك بالحجارة، لأنها محكومة بأخلاق الغوغاء التي تنتشر قيمها بالعدوى لا بحسن التفكير والنشأة، وأن ما قيل من شيم الكرام هي حكايات إعلام الخيمة ومجلس السلطان وليست منهجاً تعليمياً ولا قوانين يحميها القضاء العادل.
اليوم تتردد مفردة السماح والعفو عند المقدرة بحق رؤساء الثورات العربية، مَن سقط منهم ومن ينتظر، بين رئيس في المنفى ورئيس في المحكمة ورئيس في القبر سُحل ونُكِّل به ورئيس سافر وهو يودع شعبه بكلمة «سامحوني»، لكن شعبه لا يسامح، بل يجز على أسنانه مقهوراً يتمنى لو أن رئيسه لا يرحل ويواجه التهم الموجهة إليه.
في اليوم الذي رُوّع الناس بمشاهد القبض على القذافي وسحله، خرجت مناقشات واسعة على قناة «بي بي سي» تسأل إن كان المشهد أخلاقياً أم لا؟ وهل هذه هي أخلاق الثوار الذين سيحكمون بعده؟ وهذا ما أنقذ أسيراً مثل ابن القذافي سيف الإسلام من مصير مماثل في الهمجية، بل جعل معتقِليه يحرصون في كل صورة له على أن يسقوه ماء ويجلسوه على مقعد فاخر لا يليق بسجين، إيحاء بأنه يحصل على معاملة رحيمة، وحرصاً منهم على تجميل صورة الثوار بأخلاقيات جديدة غير التي شُوِّهت يوم نكَّلوا بالقذافي وتنصل مجلس الثورة من المسؤولية، من دون أن يفطنوا إلى أن الأخلاق التي دُفعوا إليها دفعاً والتزموا بها هي من أخلاق القانون العالمي الجديد والمنظمات الدولية وحقوق الإنسان واتفاقية جنيف للأسرى، وكلها أخلاق غربية مدنية تمت لحضارة الغرب وليس لحضارة شيم الكرام.
العفو عند المقدرة هو فعل حر لا يصدر إلا عن أحرار أسوياء، لهذا فإن آخر ما تنتجه سياسة الحكم العربية المنحازة هي أخلاق الأحرار. ليس من السهل أن يدرك شعب لم يعرف معنى احترام الكرامة والمساواة وحقوق الإنسان، معنى العفو عند المقدرة، بل إن المقهورين يستعينون بقصص وأحاديث وآيات مضادة، كما يفعل اليوم الإخوان المسلمون ليجعلوا من ورقة شنق الرئيس المخلوع حسني مبارك لصالح شعبيتهم بين الناس.
ورغم أن شنق رجل واحد لن يعالج الاقتصاد المريض، ولن يعيد الأموال المنهوبة، ولن يوقف العبث بالديموقراطية، إلا أن إشباع شهوة الانتقام هو الخُلُق الذي تبقّى في قائمة الأخلاق غير الحميدة لإخماد المحتجين وتسكين ثورة البسطاء الذين راح أبناؤهم ضحية عنف النظام.
الحكم الذي يكرِّس قيم الغلبة، وليس الديموقراطية وتقسيم الثروة وفق منهج الغنائم الموزعة بين ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم، والتسلط على الضعفاء وإخماد احتجاجاتهم بالدعوة إلى الصبر والتعويض في الآخرة، هو الذي يعيد إنتاج القيم نفسها حين يصل المقموع الى السلطة، ولن يتعدى الأمر سوى تبدل في أطراف القوة. ها هو حزب تونس يواجه تهمة منح الحقائب الوزارية للأنسباء، وحزب مصر -الذي يدخل بالمصاحف إلى مجلس الشعب- متهَماً بالانتهازية الفاضحة في سياسته الجديدة، وبتجاهل مطالب الثورة والانحياز للمجلس العسكري والتعاون بأريحية مع أميركا، التي كان التعاون معها في الحكم السابق خطيئة تسببت بقتل رئيس ومحاكمة الآخر.
اليوم، يقتل الرئيس السوري الناس علانية عبر جيشه النظامي، ويتهم بالمؤامرة كل من يُخْلِص له النصح بوقف هذا القتل، وحين يسقط غداً، قد نسمع أناساً تطلب العفو له، عفواً هو من شيم الكرام وشيم الأحرار، لحكم لم يمنحهم يوماً حق الاعتراض أو الاحتجاج أو الاعتصام، وأُخضعت فيه عقولهم لشلال مستمر من غسيل الأفكار، بحيث جعل منه الأعلى وهم الأدنون، وجعل منه المصيب وهم المخطئون، هو الحر وهم المقيدون، وكل انتفاضة ضده مؤامرة، فكيف يحرز مثل هذا الشعب حين كسر حاجز الخوف وعبر قيود الحرية، القدرةَ على العفو؟ كيف يفهم شعب تعرض لهذا النوع من التربية معنى أن يسامح وهو لم يتعاف من آثار قمعه وشعوره بالدونية؟
تعليقات
ربما – أخلاق العفو
اخلاق العفو تحكمنا كافراد و لكن لايجب ان تحكم الامم. ان من يرضى بالعدل لاينتظر العفو. من أخطأ فليحاسب. ليس امامنا امير و لا غفير. الجميع سواسية امام القانون. لا للعفو و الف لا للانتقام.
متى تكون فضيلة العفو
الحرية لاتكون مسؤولة من غير نفاذ العدالة,هذا النفاذ يجب أن يطبق على الكبير قبل الصغير,وإلا سنمسي بحرية فوضوية وبعدالة انتقائية,وبهذا لايتحول الوطن لدولة فيها مؤسسات.
وبالتأكيد العفو من شيم الكرام,وهو من خاصة العرب أيضا,إنما هكذا عفو لاينطبق على من حلب الوطن وذبح الشعب وخان الأمة.
يجب أن تسير العدالة في طريق القصاص حتى نهايته,حتى لو كان هذا القصاص لن يعافي اقتصادا مريضا ولن يعيد أموالامنهوبة,وحتى لو صوّره البعض يعبث بديمقراطية ويشبع رغبة إنتقام.
إن مبدأ العفو من شيم الكرام يمثل أعلى درجات الفضيلة,إنما ينطبق على الشأن الخاص وفي المنازعات الفردية والعشائرية,ولا ينطبق على الشأن العام ونهب الأوطان وحرق الحرث وذبح النسل,فحتى العفو العام في منطق الغرب والشرق وبعد نجاح الثورات ووقف الحروب وإخماد الحرائق لايشمل أهل القرار ممن تلوثت أيديهم بدماء شعوبهم.
أيمن الدالاتي _ الوطن العربي<