-
إلا الحوار … بين أصمّ وأبكمالخميس, 26 يناير 2012
الأميركي «مذهول» بتحولات «الربيع العربي»، لا يمكنه أن يدّعي فضلاً في ثورات المنطقة، ولا أن يفرض وصاية لتلقينها دروساً في الحرية والكرامة.
العربي مفجوع بكمية الدم التي تُضخ في رئة الربيع، فقطاره لم يصل بعد محطته الأخيرة. ولكن متى؟… حتى رئيس القوة العظمى باراك أوباما لا يعرف، قال في خطابه مفتوناً بقوة أميركا التي باتت «أقوى»، وإن كانت حججه ضعيفة. ولن يعلم سواه من الزعماء أيضاً وجهة رياح التغيير أو مَن التالي، بعد الآتي الذي لا يغريه المنفى.
إشارة تواضع وحيدة في خطاب أوباما عن حال الاتحاد، كانت امتناعه عن ادعاء فتح أبواب جمهوريات الرعب العربية ونوافذها لأبطال «الربيع» الذين كتبوا السطور الأولى في فصل إنهاء موت تاريخ المنطقة قسراً. ساوى الرئيس الأميركي بين قتل العقيد القذافي وتصفية أسامة بن لادن، من دون تمييز بين كلفة موت «جماهيرية» بدم ليبي غزير، وقتل زعيم «القاعدة» برصاص أميركي.
جيّر أوباما الخطاب لحملته من أجل البقاء في البيت الأبيض، توعّد بالمزيد في المنطقة، ولكن بدماء أبنائها، وكلهم لا ينتظر مرساةَ إنقاذٍ أميركية.
يعلمون أكثر من سواهم أن ما أرغم طاغيةً على الخروج من القصر الى السجن، ليس دروس أميركا في الديموقراطية، ولا عدالتها التي تتحول عمياءَ في فلسطين، كسيحةً في سورية، صمّاءَ مع إسرائيل، عرجاءَ مع إيران، طائشةً في العراق… ويعلمون أكثر من سواهم أن ما أرغم رئيس اليمن غير السعيد بمآل مناوراته، على البحث عن مأوى، ليس رفع الرعاية الأميركية عنه، بل ساحات تحرير الدولة من نظامٍ استباح البلد وثرواته، واستمرأَ اللعب على وتائر وحدته.
في جمهوريات الرعب، قُتِل عقيدٌ والخشية باقية من أن تأكل ثورة الليبيين ابناءَها. عقيدٌ آخر يفتش عن ملجأ، «زعيم» بائد في مصر ما زال ينتظر كلمة العدالة بعد سنة على الثورة. سواه لم يغرِه المنفى بعد، والطوفان في بدايته.
ولأن أوباما ليس المشير، لم يكن مضطراً إلى أداء التحية لشهداء ثورة مصر، أو ثورة اليمن بعد تونس وليبيا… حال مصر والمجلس العسكري في الذكرى الأولى لـ «25 يناير»، دفعت طنطاوي إلى رفع الغطاء عن حال الطوارئ، من دون تبديد كل الالتباسات. وسواء صدقت أم لا، تكهناتٌ بإبرام «الإخوان المسلمين» صفقةً مع العسكر، تبرر معارضتهم تسليم المجلس السلطة فوراً، بعد انتخابات مجلس الشعب، فوقائع المشهد الأول لبرلمان ما بعد الثورة، توزع احتمالات نهاية المرحلة الانتقالية مناصفةً بين التفاؤل والتشاؤم… بين بداية هادئة لعهد الديموقراطية ولو بعمامة «الإخوان»، وبداية صاخبة تعيد الصراع الى الشارع، إن استسلموا لأهواء غالبية «صمّاء» لا تتعامل إلا مع البُكم!
… ولو بعمامة «الإخوان» إن ارتضوا فعلاً لا قولاً فحسب تداول السلطة سلماً عبر صناديق الاقتراع، والأهم اليوم، استجابة مخاوف القوى الأخرى من إقصاء صوت المجتمع المدني، تحت سقف الشرعية البرلمانية. إذ ذاك لن تجسد الغالبية الإسلامية على مقاعد مجلس الشعب إلا مرآةَ لشرعيةٍ بساقٍ واحدة. المسألة تحيل مجدداً على نقاش العلاقة بين التسليم بالخيار الشعبي، وعدالة المنتصر الذي يمتنع عن فرض برامجه بالإكراه، ولو مقوننة. فلا يختار للناخب ما يقرأ وبأي لسانٍ يعارض، بالممالأة أو شجاعة التعبير، ولا يميّز في الحقوق المدنية بين إسلامي وعلماني، ولا يلفِّق للعلماني ولا يكفِّره، ولا يشكّك في وطنية قبطي أو انتمائه.
سنة أولى ثورة في مصر، «الربيع» لم يكتمل، وربما يدرك «الإخوان» وسواهم أن أصعب اختبارٍ للشرعية المنتخبة التي يُفترض أن تراقب استكمال مسار المرحلة الانتقالية، هو توافقٌ مع الشارع الذي احتضن شرعية الثورة. وذاك لن يكون إلا بإرساء تقاليد للحوار، غيّبتها جمهورياتُ الرعب التي اغتالت تاريخ العرب لعشرات السنين، بحجة انتظار المنازلة الفاصلة مع العدو الإسرائيلي.
شأن أوباما أن يسعى إلى أميركا أكثر قوة، ولكن ليس من شأن المشير طنطاوي وحده ولا «الإخوان المسلمين» وحدهم أن تكون مصر أكثر قوة… وهي لن تكون حتماً إذا تحول العهد الديموقراطي إلى حوارٍ صاخب بين أصمّ في السلطة وأبكم في الشارع. يصدقُ ذلك أيضاً على تونس «النهضة» فتكون حرةً أكثر إذا عقلنت المتشددين، وعلى ليبيا الجديدة إذا دجّنت السلاح، وعلى اليمن المتصالح مع شبابه قبل قبائله.
يصدُق الأمر في كل بلد عربي، ما أن يقرر شعبه التصالح مع ذاته، فيطلِّق سلطاتَ التكاذب أو يخلعها. في غير مكانٍ دمَّرَت فيه نسيج المجتمعات ألم تجعل الأشقاءَ جواسيس بعضهم على بعض، ليحيا النظام؟
التاريخ يحيا مجدداً. الرئيس يفتش عن مأوى. في تشرين الأول (اكتوبر) 1999، كان يمنيون في صنعاء يحتفلون بـ «اقتحام عصر الديموقراطية»! كانت المناسبة جولة أخرى من اقتراعٍ لرئيس، حكم 33 سنة.
تعليقات
إلا الحوار … بين أصمّ وأبكم
الأميركي ادعى فضلا في ثورات المنطقة حين خاطب طبيب العيون آخر حلقات أسر السبعين الحاكمة والمورثة بأنه لا يستطيع مقاومة رياح التغيير. صجيح أنه ساوى بين قتل القذافي وبن لادن لكنه لم يبين لنا قبل ذلك جولات السجون الطائرة المكوكية بين تلك الأنظمة وجابي الإفادات الذي لا تسمح قوانينه العادلة بالتعذيب على أرضه. من هنا لم يكن هناك من محاضرات تلقيها أميركا بالديمقراطية سوى تلك النصائح من صاحبة الارتباطات القوية معها التي ظلت دائما تبارك بقاءه على ما عاهد مادلين أولبرايت أثناءخلوة العزاء.
تصفية زعماء الأسر الحاكمة في جمهوريات الرعب بات أمرا طبيعيا لبقاء المستور من العلاقة مستورا من هنا رفض أحد زعماء الأسر الرد على هاتف أوباما قبل الوداع الأخير. المسكين الوحيد من بين زعماء الأسر الحاكمة كان طبيب العيون خرج بخدمة أحد عشر عاما إذا استثنينا فترة أبيه المورث في تلك الخدمة رغم أن دمشق كانت إحدى محطات السجون الطائرة مع ندرة التفاصيل
من السليقة
بين الأصم والأبكم لا يكون حوار بل تناغم, نشعر به ولا يمكن الإعلان عنه, وبين العسكر الحاكم وبين الإسلام السياسي يكون إنسجام فيه توافق, وأيضا هو غير معلن لكنه يظهر على الممارسة في مسرح السياسة, ولأن جميع ما سبق هم عادة من كبار السن, فقد توافقوا بالسليقة على تجاهل الشباب وتجاوزهم, ولا مشكلة عندهم إن بقي جسد النظام ما دام الرأس قد طاح, واعتقادهم أن الشباب يكفيهم الإطاحة بالرئيس, فالعسكر انزاحت عنهم اسطوانة التوريث التي مقتوها لأن الوريث من خارج المؤسسة العسكرية, والإسلام السياسي يكفيه الإطاحة بالرئيس لأنه تاجر بهم ولم يمنحهم فرصتهم.
أما الغرب فما بعد الذهول من الربيع العربي إلا محاولة الركوب والتأقلم بغية التجيير, فكما روضوا الشمولية يمكن ترويض الإسلامية.
بقي حال الشباب العربي, وليس أمامه إلا ثورات شعبية للإطاحة بكل ما سبق, ربيعا وصيفا وخريفا وشتاء.
أيمن الدالاتي _ الوطن العربي