-
الثورة مع أهلهاالجمعة, 27 يناير 2012
بعد مرور الذكرى السنوية للثورة المصرية بسلام، وتأكيد التيارات الحاملة مشروع الثورة على طابعها السلمي واستمرارها إلى أن تنجز أهدافها، يصح النظر في خلفيات الأجواء التي سادت قبيل الذكرى وسعت إلى التشويش عليها.
قيل، قبل الذكرى، إن ثمة مخططاً يرمي إلى إضرام حرائق واسعة في القاهرة وافتعال صدامات دموية لجر الجيش إلى الشارع ووضعه في مواجهة المتظاهرين. ونشرت صحف ومواقع إلكترونية رسمية عدة تحذيرات من تحول الاحتفالات بهبّة الشعب المصري إلى مطية «للأناركيين» واليساريين المتطرفين وغيرهم ممن وصفتهم وسائل الإعلام الموالية للمجلس العسكري الحاكم «بالمخربين» في عودة غير حميدة وغير لائقة، إلى قاموس نظام حسني مبارك.
المهم أن الذكرى مرت وعبّر مئات الآلاف من المصريين عن إصرارهم على المضي بالثورة إلى هدفها الأول: إسقاط النظام. والهدف هذا هو ما سعت الحملات المذكورة إلى تشويهه وتصويره بمثابة الكارثة التي ستنزل بمصر. وينسى أصحاب المساعي هذه أن أحوال مصر قبل 25 يناير 2011 لم تكن تسمح بمزيد من التخريب والتدمير، ذلك أن مبارك وعائلته والحاشية المحيطة بهم، لم يتركوا مجالاً من مجالات الفضاء العام إلا ولوثوه وعملوا فيه خراباً ودماراً، من الاقتصاد إلى التعليم إلى القطاع الصحي. حتى وقفت مصر في أعوام مبارك الأخيرة على حواف كوارث متعددة، شكلت الثورة جرس إنذار عالي الصوت أمامها.
وليس المفرطون في التعبير عن الخشية من دور «الأناركيين» المتخيل، سوى تعبير آخر عن تشبث النظام القديم بأسباب وجوده ودوره والنمط البائس الذي أدار به البلاد على مدى أعوام طويلة. وبين هؤلاء وبين المجلس العسكري الكثير من أوجه الشبه التي تجعل من العسكريين الممسكين اليوم بالسلطة الفعلية في البلاد قوة شديدة المحافظة ترفض الاعتراف بالتغيير الكبير الذي أدخلته الثورة على المشهد المصري.
ومحاولات المجلس العسكري صوغ تحالف مع الإسلاميين، خصوصاً مع «الإخوان المسلمين» (فيما يؤيد التيار السلفي حكم العسكر من دون نقاش تقريباً)، تمثل المقاربة الأخطر على مصير الديموقراطية المصرية الوليدة. فالمجلس العسكري لم يوقف يوماً السير في طرق التفافية حول الثورة وأهدافها، ولم يعترف بأي خطأ ارتكبه، من التباطؤ في الإجراءات القانونية ضد قتلة ضحايا الثورة إلى التعامل بجدية مع محاكمات رموز العهد السابق، معلقاً كل ذلك على عاتق الحكومة التي ستتولى زمام الحكم بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
لكن رغبة المجلس في الاحتفاظ بالسلطة إلى أجل غير مسمى لا تحتاج إلى فطنة، وقد ظهرت منذ أول مليونية بعد تنحي مبارك وأول عودة للاعتصام في ميدان التحرير حيث عبّر العسكر عن سخطهم على أي تحرك تشتمّ منه رائحة التذمر من حكمهم.
وكتلامذة أوفياء في الانتهازية السياسية، يمارس «الإخوان» لعبة المجلس العسكري بوعي كامل. فيبتعدون عنه عندما يعلن المجلس رغبته في منع البرلمان المنتخب من ممارسة حقه في إقالة حكومة كمال الجنزوري ويعودون إلى الاقتراب منه إذا أقر لهم بسلطات ولو جاءت على حساب القوى الأخرى.
بيد أن كل ذلك لم ينجح في محو حقيقة راسخة من أمام عيون العسكر و «الإخوان»: هناك قوة ثالثة جدية تمثل ضمير الثورة وروحها. هذه تقع على مسافة بعيدة منهم. وهي في أمان مع أهلها.