أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط
  • بعد رحيل العسكر
    الإثنين, 06 فبراير 2012
    محمد صلاح

    لم تعد الشكوك في بقاء المجلس العسكري على رأس الحكم في مصر قائمة، فلا الظروف الدولية والاقليمية، ولا الأوضاع على الأرض داخل مصر تجعل من وجود عسكري واحد أو أكثر على رأس السلطة في مصر بعد شهر حزيران (يونيو) المقبل أمراً ممكناً، ناهيك عن الأخطاء الفادحة التي وقع فيها المجلس العسكري منذ التنحي وطوال سنة، وعلى ذلك فإن رحيل العسكر عن حكم مصر أمر مفروغ منه. سيرحل المجلس العسكري عاجلاً أو آجلاً، قد يدفع تدهور حالة الأمن، وتصاعد العنف، وتعدد الفئات الغاضبة، وتفجر الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات والإضرابات، والضغوط في اتجاه الإسراع بإجراء الانتخابات الرئاسية، وفتح باب الترشح لها بعد انتخابات مجلس الشورى نهاية الشهر الجاري. وقد يعاند المجلس، ويكتفي بطلب الصبر من المصريين، وعلاج الأمراض المستعصية بالمسكنات، حتى تكتمل خارطة الطريق السياسية التي وضعها، وسار فيها، ويُفترَض أن تكتمل في شهر حزيران بانتخاب رئيس للبلاد، فيعود الجيش إلى ثكناته، وتبدأ معركة جديدة لـ «حساب» أعضاء المجلس.

    الاحتمالان قائمان الآن، لكن الأرجح، أو قل الطبيعي أو المنطقي، أن يُسرع المجلس من خطواته، وينفذ خارطته بسرعة من دون انتظار أو تباطؤ، وأن يختصر الفترة المتبقية منها ليُنقذ أعضاءه من الهلاك، والبلاد من دوامة الفوضى، ويوقف مسلسل الوقوع في مزيد من الأخطاء. نعم صار المجلس نفسه الجزء الأكبر من المشكلة المصرية، وهو الذي كان يفترض أن يكون حلاً لها، ليس فقط لأن الناس يكرهون الحكم العسكري حتى ولو مؤقتاً، ولكن لأن المجلس كلما سعى إلى حل مشكلة زاد منها، وحين تزيد يفشل في طرح حلول فتتفرع إلى مشاكل أخرى، وهكذا. ومن الغريب أن يعتقد أو يُشيع البعض أن رحيل العسكر عن الحكم وحده كفيل بحلِّ كل المعضلات، وأن مصر ستخرج برحيل العسكر من النفق المظلم الذي هي فيه الآن. ليس المقصود أن الحلَّ في الإبقاء على العسكر في أماكنهم، فالحقيقة التي أدركها الكل أن في رحيلهم رحمة لهم ولنا، لكن السؤال عن وضع ما بعد العسكر يطرح نفسه في ضوء الحالة المصرية بعد الثورة، والصراع على نيل المكاسب بين القوى السياسية، والمزايدة على الثورة والثوار، والمتاجرة أحياناً بأرواح الشهداء وتضحيات المصريين.

    هل صارت القوى السياسية والثورية على استعداد، ولديها المقومات لتملأ الفراغ الذي سيتركه العسكر؟ ما مدى التوافق بين النخبة المصرية حول طريقة إدارة مرحلة ما بعد المجلس العسكري؟ هل ستقبل كل الفئات والائتلافات والأحزاب والقوى نتائج الانتخابات الرئاسية مهما كانت وأياً كان الرئيس المقبل؟ هل أدرك الإسلاميون الذين يملكون الغالبية البرلمانية أن إنجاز الدستور أمر لا يحتمل «التلكؤ» أو العناد؟ وأن إرضاء القوى الأخرى وطمأنتها وتبديد مخاوف الأقباط والليبراليين واليساريين صار فرض عين لتفادي صراع جديد قد يدفع البلاد إلى هوة سحيقة؟ هل سيعطي الشعب ومعه القوى والنخب السياسية الحكومة المقبلة (غالباً ما سيشكلها «الإخوان» بالائتلاف مع حزب آخر أو أكثر) الفرص لتداوي جراح الماضي، وتضع أسس بناء المستقبل، وفي الوقت نفسه تسيير أمور البلاد وتوفير احتياجات المواطنين؟ هي أسئلة بديهية يفترض أن تكون الإجابات عليها إيجابية ليكون رحيل العسكر نعمة، وتخطو البلاد بعد الانتخابات الرئاسية بثبات نحو تحقيق أهداف الثورة من دون أن يدَّعي أي فصيل أن الثورة ثورته، وأن الشهداء ضحوا من أجله، وأن أخطاء العسكر صبَّت في مصلحته. فالثورة صنعها الشعب المصري كله، وغالبية الشهداء لا ينتمون إلى جماعات أو أحزاب أو قوى بعينها، وأخطاء العسكر أضرَّت بالجميع. وبغض النظر عن الاستفتاء على الإعلان الدستوري في آذار (مارس) الماضي، فإن المجلس العسكري نال «شرعية» إدارة المرحلة الانتقالية بفعل شعار «الشعب والجيش إيد واحدة» الذي هتفت به حناجر المصريين في التحرير وباقي الميادين، وصارت الرغبة في الرحيل «شرعية» أيضاً بفعل الأخطاء وسوء الأداء وتفجر الاحتجاجات. فماذا عن رد الفعل تجاه أداء الحكومة المصرية والرئيس الجديد إذا لم يُلبِّ الطموحات، ويحقق المطالب، وينهي معاناة الناس؟

    يقولون إن الثورات تحدث دائماً في الدول التي تخضع لحكم ديكتاتوري، وأن في الدول الديموقراطية وسائل للتعبير عن الرأي، وآليات للضغط على السلطة، والاحتكام دائماً يكون إلى صندوق الاقتراع. والمؤكد أن الشعب المصري يتوق إلى ديموقراطية حقيقية، ويقبل نتائجها، وهو مستعد للتعاطي مع أجوائها، فالمشكلة ليست فيه. فماذا عن القوى والنخب السياسية التي تحركه والإعلام الذي قد يفتح عقله أو يضلله؟ العسكر راحلون راحلون، فَمَنْ بعدهم ستكون المطالبة برحيلهم؟

أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط

اضف تعليق

بريدك الإلكتروني لن يظهر علناً احتراماً للخصوصية