أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط
  • … أن ينطق المجلس السوريّ
    الثلاثاء, 21 فبراير 2012
    حازم صاغيّة

    يحتمي النظام السوريّ اليوم بالفيتو الروسيّ – الصينيّ. إلاّ أنّه يحتمي أيضاً بتفتّت المجتمع السوريّ وبالتناقضات الناجمة عن تفاوته الدينيّ والإثنيّ، الطبقيّ والمناطقيّ، التي لا تزيدها استطالة النزاع إلاّ احتداماً.

    فإذا أضفنا طبيعة السلطة السوريّة كسلطة اعتادت الإمساك بخناق المجتمع، بدا الأفق غنيّاً بالكوارث والدمار. ذلك أنّ تصدّع الطرف المُمسك سيضاعف تصدّع الطرف الممسوك لعقود طويلة. وكلّما تعاظم الألم والحقد، زاد توقّع الأسوأ: وعي سلاحيّ وسلفيّ أكثر، مشاعر طائفيّة أقوى، خطف وديّات عشائريّة…

    قدرة «المجلس الوطنيّ السوريّ» على تقصير أمد هذا الوضع قد تكون محدودة. إلاّ أنّ هذه المحدوديّة لم تُستعمل حتّى اليوم، وما استُعمل معها لم يُستعمل كما يجب. الحائل دون ذلك عدد من الثقّالات المترسّبة عن وعي «قومجيّ» هو الوعي نفسه الذي استخدمه النظام طويلاً ودائماً لقمع الشعب السوريّ ولإبقائه خاضعاً مدجّناً.

    الصمت والتأتأة لا يجديان هنا نفعاً.

    المقصود بذلك مبادرة للخارج وللداخل معاً قد تقصّر أمد الوضع هذا وقد تحدّ من احتمالاته الأسوأ.

    صحيح أنّ العالم قد لا يكون في وارد التدخّل لأسباب كثر الحديث عنها، وأنّ الفيتو الروسيّ – الصينيّ يصعّب مثل هذا الاحتمال في حال وجوده. إلاّ أنّ «المجلس الوطنيّ» أمام فداحة الوضع القائم مطالَب بإغراء العالم بأن يتدخّل، علماً بأنّه قد ينجح في هذا وقد يفشل. يزيد في إلحاح ذلك ضرورة موازنة الحضور الإسلاميّ الراديكاليّ، الكاره للغرب، في صفوف المعارضة، وهو حضور مؤهّل للتعاظم مع تمادي القمع والإحساس بأنّه «ما إلنا غيرك يا الله».

    الإغراء، وهنا تتلاقى مخاطبة الخارج والداخل، يمكن أن يرتكز إلى رفع الصوت في مخاطبة الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة والإثنيّة (العلويّين، المسيحيّين، الأكراد…)، ورفع الصوت في إدانة ما يستفزّهم وما ومن يخيفهم، وفي تزكية ما يطمئنهم خطاباً ورموزاً. مثل هذا السلوك، الذي أشار إلى ضرورته كبار المسؤولين الغربيّين، شرط حيويّ لتوسيع الانخراط في الانتفاضة، وعلى المدى الأبعد، لوقف التفسّخ الذي يضرب النسيج الوطنيّ السوريّ. وإذا كان من العلامات الإيجابيّة الأخيرة توسّع حركة التظاهر ووصولها إلى أمكنة أساسيّة في دمشق وحلب، فهذا ما يطرح مخاطبة بيئة رجال الأعمال وطمأنتها إلى مركزيّة دور القانون في تنظيم الحياة الاقتصاديّة للمستقبل، ناهيك عن توفير ضمانات في ما خصّ الملكيّة وحرّيّة التجارة وتشجيع المشاريع.

    وفي مجال الإغراء، لا بدّ من إنهاء سياسة «اللا حرب واللا سلام» المدمّرة للنظام السابق، والقول الصريح والقاطع بأنّ دمشق المستقبل ستكون في غير هذا الوارد. وهنا ثمّة موروث عن عهد الأسد الأب قابل للاستكشاف، يتصدّره ما عُرف بـ»وديعة رابين» في 1993، حين أوصل رئيس حكومة إسرائيل الراحل رسالته الشفويّة إلى السوريّين، عارضاً إنهاء النزاع الإسرائيليّ السوريّ وتطبيع العلاقات بين البلدين مقابل انسحاب من الجولان خلال خمس سنوات.

    فحتّى حافظ الأسد، الذي لم يكن يريد الحرب، فاوض مرّة بعد مرّة على أساس «الوديعة». إلاّ أنّه، لأنّه لم يُرد السلام كذلك، أحبط النتيجة وأبقى الأمور على حالها.

    هذه العناوين مأخوذة معاً يجمع بينها منح الأولويّة للوطنيّة السوريّة ومصالحها على كلّ اعتبار آخر. أمّا بالمعنى العمليّ المباشر فهي قد تساعد على تقصير أمد الألم والتفسّخ وعلى محاصرة الآثار والنتائج الناجمة عنهما.

    طبعاً لا توجد حلول قاطعة ونهائيّة وخلاصيّة، كما لا توجد ضمانات. ما يوجد هو المسؤوليّة عن شعب والواجب حياله، وأوّل المسؤوليّة والواجب هو النطق.

أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط

تعليقات

على عهده بأن كل الخير هو في الإستسلام للغرب المتصهين

لاأجد المراد من هذا المقال إلا أن على المجلس الوطني كسب ود إسرائيل بإغرائها بقبول ترتيباتها كما تشتهي, وأن هذا هو المخرج الوحيد, فحسب فهمي للمقال هو العامل الأوحد الذي سيغري الغرب كي يتدخل ويحسم.
طبعا أنا ضد هذه الفكرة- الخلاصة التي لايخرج الكاتب عنها,وهذه إن حدثت (وأنا أستبعد)فسيتعرى المجلس الوطني أمام شباب شعبه الثائر, وسيتجاوزوه حتما.
كما أعتقد أن الراحل حافظ الأسد تمسك بوثيقة رابين ولم يحبطها,بل أحبطها باراك إسرائيل وتجاهلتها أمريكا,كما أن أثنيات المجتمع السوري المتعددة لن تتقاتل ضد بعضها مهما ركز الإعلام على شراراتها, ومهما اججت السلطة بينها, فكلها عانت وتعاني من الشمولية والفردية والإستبداية, وعند التغيير بعد الرحيل ستنقشع المخاوف فلا تتقاتل بسببها.
وأخيرا أعتذر عن طول عنوان تعليقي, فلم يحضرني الإيجاز في الحال.

أيمن الدالاتي _ الوطن العربي

… أن ينطق المجلس السوريّ

وضعت اصبعك على الجرح يا أستاذ حازم…مقال أكثر من رائع

… أن ينطق المجلس السوريّ

كلام متزن، بالمختصر المفيد، لكنه إشكالي،وربما متخيل.
بعض التساؤلات التي خطرت لي بعد قراءة سريعة للعمود، هي ما سر هذا ” التواطأ” مع المجلس الوطني والحديث عنه بوصفه “المعارضة” السورية كلها، بميم كبيرة، إذا شئت؟ ثم هذا المجلس المليء بناشطين من أقصى اليمين الإسلاموي، واحدهم كان يكتب في صحيفتكم الغراء هذه (!) هذا الكيان المتشرذم بمكوناته المتناقضة والمتصارعة والمتفاوتة في النفوذ والقدرة على الهيمنة، هل يستطيع أن يتخذ موقفاً أكثر عقلانية حيال الاقليات، وهل عنده من الصدقية ما يكفي كي تثق به الاقليات، وحتى يقارب قضايا سيادية كالصراع مع إسرائيل ومسألة ” الوديعة” المزعومة؟؟لكن الأدهى من كل هذا، هو إلحاح الكاتب على استجلاب الاجنبي، حتى لو لم يكن في وارد التدخل (ألا يتدخل سلفاً الروس والايرانيون والغربيون سياسياً وعسكرياً؟)..

اضف تعليق

بريدك الإلكتروني لن يظهر علناً احتراماً للخصوصية